كنت قد رسمت في مخيلتي صورة غير مطابقة البتة لمدينة الدمام السعودية، حين دعتني شقيقتي لزيارتها هناك؛ كي أتواجد بجانبها عند ولادتها طفلها الأول. ظننت لوهلة حين دعتني بأني سأصاب بكثير من الملل، أو أن العشرة أيام التي سأقضيها بين مستشفى الولادة وبيتها ستكون ثقيلة وبلا فعاليات تُذكر.احترت في البداية بين خيارات عدة فيما يتعلق برحلات الدمام. كنت قد اطّلعت على طيف واسع من حجز خطوط الطيران لهذه المدينة السعودية الساحلية، لكن الخيار الأنسب أو بلفظ أدق أرخص طيران حصلت عليه كان على متن خطوط فلاي ناس.
الملمح الأبرز في الدمام هو البحر. تتمتع الدمام بواجهة بحرية ضخمة للغاية، وغنية بأنشطة عدة تتواءم وطبيعة الحياة البحرية الموجودة هناك. وليس الشاطئ هناك معدّاً لمن يهوون صيد الأسماك فحسب، بل هو كذلك الأمر وجهة عائلية مُثلى للعائلات الراغبة بقضاء الوقت في المطاعم والمقاهي والمرافق الترفيهية المتممة للمشهد.
لن يكون سهلاً أن تفصل بين الواجهة البحرية في الدمام وبين جزيرة المرجان التي تقابلها تماماً. الجزيرة هذه محاكاة تامة لفكرة الجزر السياحية في الإمارات العربية المتحدة؛ ذلك أنك ستجد ما يشبه القرية الترفيهية الكاملة من حيث سلسلة المطاعم والمقاهي المشهورة عالمياً، وكذلك الأماكن المعدّة خصيصاً لمن يرغبون بالصيد، والمرافئ المناسبة لمن يريدون الانطلاق في رحلات بالقوارب واليخوت في عرض الخليج العربي.
وثمة شاطئ آخر بوسع الزائر لمدينة الدمام الاستمتاع بأمواجه المتلاطمة وتربته الصافية وهو شاطئ نصف القمر، الذي يتكفّل اسمه بإعطائك الملمح الأبرز عن تشكيلته الجغرافية ومدى الجماليات التي ينطوي عليها.
كان الوقت المتبقي لولادة شقيقتي قليلاً، بل كانت في مرحلة انتظار، لذا اكتفيت بيومين من رحلتي على شواطئ الدمام؛ كي أتجنب المخاطرة باصطحابها لأماكن بعيدة عن المستشفيات. آثرت أن أزور متحف القرية الشعبية الموجود في المدينة. وهو المتحف المصمَم على غرار القلاع السعودية القديمة. يوفر المتحف في جنباته الكثير من المنتوجات المنسوجة والمشغولة بفنية عالية، إلى جانب تقديمه عروضاً فنية وفلكلورية من التراث السعودي.
جانب كبير من التاريخ السعودي كان غائباً عني حتى زرت متحف الدمام، الذي ما يزال في طور التوسعة حتى الآن، والذي وجدت في جنباته مادة تاريخية غنية عن الحضارات التي تعاقبت على المنطقة الساحلية في السعودية وتحديداً منطقة الدمام.
كان العدّ التنازلي الحقيقي قد بدأ لدى شقيقتي عشية ذلك اليوم. رافقتها وزوجها للمستشفى، وبقيت هناك حتى وضعت مولودها البِكر الذي أسمته خالد.. كنت سعيدة على مدار أيام من زيارتي بهذه الهدية الإلهية الجميلة.
لم يتبقّ لي وقت في الدمام سوى يوم واحد. كان عليّ شراء الهدايا لعائلتي في عمّان ولزملائي في العمل. خيار التسوق الأنسب في بلاد الخليج العربي عموماً هو المجمعات التجارية. لذا، قصدت مجمعين في الساعات المتبقية لي: مجمع الشاطئ، الذي يقع بالقرب من الواجهة البحرية، ما أتاح لي فرصة المرور عنها من جديد، ومجمع العثيم الذي يمتاز ببنيان معماري فريد وبماركات عالمية كثيرة تجتمع تحت سقفه.
حانت ساعة الرحيل عن الدمام. كان الأمر صعباً عليّ؛ إذ لا قلب لي لترك خالد ووالدته، إلى جانب كون الدمام منذ تلك الزيارة باتت مدينة عربية قريبة من قلبي كثيراً.