الزواج شراكة يبدؤها الطرفان برضاهما ، حيث يختار أحدهما الآخر وفق معايير وأسس ومبادئ ، بعضها عاطفى نابع من الذات الإنسانية وبعضها اجتماعي ، ويحدد الشرع الإسلامي البعض الآخر منها ، ولو شبهنا الزواج بقطار يسير ، يجر وراءه عرباته المختلفة المليئة بالآمال والطموحات والمشاكل ، فإن التدين هو السكة الحديدية التى يسير عليها ذلك القطار ومن دونها لا يمكن أن يسير وأن تستديم حركته ، دارت المناقشة فى ندوة التدين وأثره فى العلاقة الزوجية ، والتى أقامتها مجلة الفرحة حيث دعت إليها نخبة من المتخصصين فى الشريعة والإعلام والقانون والمهتمين بالقضايا الأسرية .
وقد آثار المشاركون عدداً من المحاور الهامة والمتعلقة بموضوع الندوة .
الدين أوصى بحسن الاختيار
استهل الدكتور خالد المذكور حديثه كأول متحدث فى الندوة حول الاختيار الصحيح لشريك أو شريكة الحياة ودور الدين فى ذلك الاختيار فقال :
لقد حضّ الإسلام على حسن اختيار الزوجة باعتبار أن التدين له أثر على بناء الأسرة وديمومتها ، فحتى لو كان الزوجان متدينين فإنّ هذا لا يعنى أنه لن يقع بينهما خلاف ، ولكن الحرص على هذا الأمر من جانب الزوج ومن جانب الزوجة ، يقلل من الفجوة بينهما ويقلل من حدة الخلاف ويقلل من نسب الطلاق بين الأسر ، ولذلك حثّ الإسلام على اختيار الزوجة المتدينة لما لها من أثر فى حياة الزوج وحياة الأسر واستقرارها وديمومة العلاقة الأسرية وسيرها فى الطريق القويم ، وجاء ذلك على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم الذى حض على الفوز بذات الدين ، وأشار إلى أن من لم يظفر بذات الدين فقد أفلس ، لأن الجمال سيفنى والحسب والنسب ليس عند الله بشىء ، ولكن الزوجة المتدينة التى تحافظ على الزوج وعرضه وماله وشرفه وكرامته وأولاده وبيته هى المطلب الأساسى .
وناشد الإسلام أولياء الأمور أن يختاروا لبناتهم من يرضون دينه وأمانته ، وذلك لا يعنى أن الإسلام يرفض الجميلة وذات الحسب والنسب ، فإذا كانت كذلك وعلى قدر من التدين فهو خير على خير ، ولكن لا نأخذ هذه الجوانب ونترك مسألة التدين ، فقد تكون المرأة مغرورة بجمالها وحسبها ونسبها ، ولكن ذات الدين يمنعها دينها من أن تأتى بذلك ، فإذا أنس لها زوجها وأحبها كانت أثيرة عنده فلا يهضمها حقها ، وإذا أحبها فإنه يراعى الله سبحانه وتعالى حتى فى المشاكل التى تقع بينهما .
مفاهيم خاطئة
هناك بعض المفاهيم الخاطئة التى تسود بين الزوجين فتؤدى إلى المشاكل أحياناً ، فإذا كان الزوجان متدينين فهذا لا يعنى أنهما مُلمّان بكل المفاهيم والمعلومات الدينية الضرورية ، لقد جاءنى شابان متزوجان حديثاً ، وبينهما خلاف كاملتين ، تبينّت فى ذلك الوقت أنهما يجهلان الأمور الدينية البسيطة ، ولم يدرسا ما يتعلق بالحياة الزوجية من الناحية الدينية ، فالذى يؤثر فى الحياة الزوجية هو أن الزوجين يجهلان كثيراً من المفاهيم الدينية المتعلقة بالزواج لاسيما فى بداية حياتهما الزوجية ، ويجب أن يتعلما ذلك وهو ميسر ..
منذ فترة جاءنا شاب عمره 24 سنة وعمر زوجته 17 سنة ، تزوجا منذ ثلاثة شهور وطلقها ثلاث طلقات متفرقات فى غضون تلك الشهور الثلاثة .
بدأت تلك الزوجة حياتها ولا تزال فى ريعان الشباب بطلاق بائن بينونة كبرى ، وعندما سألته قال : إنه لا يملك معرفة بذلك .
التدين .. امتلاء النفوس بمفاهيم سامية
أما الدكتور عادل عبد الله الفلاح فقد تحدث عن محور آخر من محاور الندوة ، وحول أهمية التدين فى ملء النفوس بمفاهيم سامية حيث قال :
يعطى التدين وتطبيق الشريعة الإسلامية نوعاً من الاستقرار وضمان الحياة الاجتماعية والأسرية للإنسان ، فالإنسان قد يرتبط بشخص ما كمسؤول أو أب أو زوج ، وكذلك يرتبط بالله عز وجل فإليه المآل وإليه المصير .
فمهما يكن الإنسان مرتبطاً بزوجته أو بأبنائه وبناته وبأسرته ، فعندما تمر جزئيات فى سير الحياة الاجتماعية ، لابد أن تترك أثراً ولو بسيطاً قبل أن ترحل ، ولكن فى حال ارتباط العبد بربه عز وجل تتحول جزئيات الحياة البسيطة إلى سفاسف وتوافه يمر عليها الإنسان مرور الكرام ، دون أن تترك لديه أثراً ، لأن الإنسان مرتبط بالله والنفس المليئة بقيم مثلى هى أكبر من تلك السفاسف التى تمر به أحياناً ، وبالتالى يساعد امتلاء النفس على عدم تضخيم القضايا الأساسية أو الثانوية ، لأن النفس فى هذه الحالة فى مرحلة امتلاء وإشباع لكثير من الزوايا فيها فلا فراغ لديها للالتفات إلى صغائر الأمور ، فتصنع منها مشكلة ، ويؤثر التدين إيجابياً على شخصية المرأة المسلمة المسؤولة فتحس بمسؤولية تجاه الأسرة وأفرادها بصبر وتأن ، وجزئية الصبر هذه جزئية هامة فى النفس المسلمة حيث يرعاها التدين ويشجعها ، فيصبّر الزوج على تحمّل هفوات الزوجة ونسيانها وأخطائها ، ويحضه على التجاوز عن هذه الأشياء باستعلاء وصبر ، وغايته فى ذلك التقرب إلى الله عز وجل بقصد المثوبة واكتساب الحسنات ، هنا نورد تصرفات أحد الصالحين وأبدأ بحديث الذى قال له الناس : لماذا لا تطلق زوجتك ؟! وكانت متعبة ملولة فرد عليهم : إنني أتعلم الصبر فأؤجر على ذلك ، والتدين هو الارتباط بالأجر والثواب ، وإذا ما سلك الزوج – أو الزوجة – طريق الدين فإنه يؤجر على نفقته على أولاده ومعاملته الحسنة .